الاثنين، 23 أغسطس 2010

عالم السدود والقيود


اقتبست هذا العنوان من أحد منشورات الكاتب الغني عن التعريف "عبّاس محمود العقّاد" ، و الذي كان كتابه خلاصة ما رآه وأحسه وفكّر فيه عندما كان في عالم السدود والقيود أي "السجن". 


 


يتبادر لقارئ كلمة "السجن" تلك الحجرة الرمادية والقضبان الحديدية التي تحوي الظالم وأحياناً المظلوم ، السالب وأحياناً المسلوب ، الشاهد وأحياناً المشهود ضده ...

ذلك المكان الموحش الكئيب المقّيد لحركة - وأحياناً - عقل  ساكنه ، وفق حدوده وقوانينه ولوائحه - ومجرّبه أبلغ منّي في الحديث عنه - وأدعوا الله ألا يجرّبه مسلم.

أو قد يتبادر للقارئ ذلك السجن الذي يقصده الكاتب المعروف توفيق الحكيم في روايته "سجن العمر" ...؟ 
السجن الذي أود الحديث عنه هو سجن من نوع آخر أقوى سدوداً وأشد قيوداً ، سجينه هو سجّانه ، وهو المتحكم في ضيقه واتساعه ، في نوره و ظلامه ، هو المشرّع للوائحه وقوانينه وهو المنفذ لتلك القوانين ، ذلك السجن هو ... سجن النفس!

نعم سجن النفس ، فالكثير ممن دخلوا السجون المتعارف عليها خرجوا منها بإبداعات أدبية وفكرية ، خرجو منها بشهادات علمية ، خرجوا منها وهم يحملون كتاب الله الكريم بين جنباتهم ، خرجوا منها وهم أكثر عزّاً ومكانةً ، والشاهد على ذلك أشهر سجين سيدنا يوسف عليه السلام.

هؤلاء كانت أجسادهم حبيسة المكان ، ولكن نفوسهم كانت حرة طليقة لم يزدها قيد المكان إلا قوة وإرادة ، فأنتجت عقولهم الروائع والإبداعات ، هؤلاء المبدعون حقاً منذ القدم وإلى الآن (فقط ابحث في ويب عن أدب السجون .(
 
سجن النفس أنشأته الجذور ، أي تلك الجينات الوراثية التي تولد مع الإنسان ، ولم يكن له حول ولا قوة في إختيارها..
سجن النفس أنشأته تربية الإنسان ، التي لم تكن له أي سلطة في تسييرها..
سجن النفس أنشأته بيئة الإنسان الصغيرة (البيت) ، والكبيرة (المجتمع بعاداته و تقاليده) التي لم تكن له القدرة على تغييرها.

تلك العوامل المنشأة مجتمعة جعلته يظن أن تفكيره محدوداً ، وعقله مقيداً حتى وإن لاح له بصيص من الأمل في إمكانية كسر هذا القيد سيشعر أنه سوف يضل الطريق ، ويفقد الهويّة ، وبناءا على ذلك ، استلم زمام أمور سجنه وأدار ونفذ - تلك اللوائح والقوانين - بكل دقة متناهية.

سجن النفس هو الذي يهمّش الإنسان ، ويفقده متعة الحياة وأقصد بالمتعة هنا المتعة التي شرّعها الخالق عزّ و جلّ..

ومن هنا نصل إلى سجن المسلم السّوي ، سوي النشاة ذلك السجن الذي يطلق مدارك الفكر والعقل ، العمل والإبداع ، الرقي والتقدم ، ذلك السجن الذي لا يعرف من السجن إلا تلك الحدود التي يقف عندها المخلوق أمام الخالق ، تلك الحدود التي تضمن حياة الإنسان في ظل الإحترام والنظام والعدل ، تلك الحدود التي تجعل معيشة الإنسان هنيّة ، وميتته رضيّة ، تلك الحدود التي تعده - وعد حق - بجنة بلا سدود أو قيود عرضها السماوات والأرض ..... جعلنا الله وإياكم من ساكنيها.

 
                                                                                                     هيسبيريدس